دور السعودية في الحرب على «داعش» يثير تساؤلات عن الأهداف الحقيقة لحرب أميركا الجديدة
هل كان حظ سيء أم عدم توفيق
الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما أعلن عشية ذكرى أحداث الحادي عشر من
سبتمبر عن استراتيجيته الجديدة لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”؟ ..فهو
بذلك أعاد إلى أذهان الأميركيين دور شريك أوباما الإقليمي في حربة الجديدة
الوشيكة، فأيادي السعودية حتى الأن بالنسبة لكثير من الأميركيين ملطخة
بدماء ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، وخاصة بعد التواء مسار التحقيقات
لمداراة دور السعودية ورجلها الأول في الولايات المتحدة، بندر بن سلطان،
الذي حذف أسمه ضمن ثماني وعشرين ورقة تضمنت اتهامات وتوصيات بحظر تعامل
وملاحقة عدد من المسئولين السعوديين، من التقرير النهائي للجنة تقصي حقائق
أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وبخلاف العامل النفسي والدعائي
في سبب ريبة عموم الأميركيين من شراكة السعودية للولايات المتحدة في حربها
ضد داعش، تثير استراتيجية باراك أوباما لمواجهة تنظيم”الدولة الإسلامية”
القلق لدى العديد من الدوائر البحثية والسياسية في الولايات المتحدة والغرب
بصفة عامة، ذلك القلق منبعه عدة أسباب أهمها الحامل الجغرافي-السياسي
الشريك لواشنطن في تنفيذ هذه الاستراتيجية، فالسعودية التي بدت في اجتماع
جدة منتصرة لما تضمنته تصريحات اوباما عن تضمين محاربة النظام السوري بجانب
محاربة “الدولة الإسلامية” أوحى سلوكها السياسي والإعلامي وعرضها بإقامة
معسكرات تدريب لـ”المعارضة المعتدلة” على أراضيها بأن هناك توظيف سياسي
لصالحها على حساب اجراءات واشنطن الوقائية ضد داعش للحفاظ على مصالحها، وهو
الأساس الذي بُنيت عليه استراتيجة الولايات المتحدة. كذلك دور السعودية
في تدعيم الإرهاب ليس فقط منذ بداية الأزمة السورية، حيث وفرت الرياض ضمن
دول أخرى دعم سياسي ومالي وإعلامي ولوجيستي، ولكن أيضاً لما تمثله السعودية
كحاضنة للأفكار المتطرفة التي أسست للقاعدة قبل نحو ثلاثة عقود، وحالياً
داعش والنُصرة ومن لف لفهم.
في هذا السياق ترى الكاتبة والباحثة الأميركية، لوري بلوتكين بوجارت،
أن على الولايات المتحدة أن تستشف دور السعودية كشريك لها وماذا تستطيع أن
تقدمه في الحرب ضد داعش، ويكون معيار الإدارة الأميركية هو توافق المصالح
بين الدولتين، التي تتباعد تارة وتتلاقى تارة أخرى. وتوضح بوجارت تحذيريين
رئيسيين على واشنطن الأخذ بهم، قائلة: “حيث تسعى واشنطن إلى إقامة شراكة مع
السعودية في مكافحة داعش، لا يجدر بها إنكار دور المملكة الهام، أو وضع
توقعات غير واقعية حول مشاركة المملكة في عمليات عسكرية ونفسية وغيرها من
العمليات العلنية. وبالتالي فإن أفضل مقاربة للشراكة مع السعوديين تقوم على
العمل معهم لزيادة نشاطاتهم الأخيرة التي تتلاقى مع مصالح واشنطن الخاصة.
يجب على الولايات المتحدة أن تستشفِ نهجها مما يظهره السعوديون بأنهم على
استعداد للقيام به ويتمتعون بالقدرة السياسية لذلك. وتحدد هذه المنهجية
فوائد وحدود شراكة واشنطن الاستراتيجية مع السعودية ودول الخليج الصغرى:
فمصالحها السياسية تتلاقى أحياناً مع مصالح الولايات المتحدة وتتباعد عنها
أحياناً أخرى.
وفي هذا الصدد، من المهم أخذ
تحذيرين بعين الإعتبار. الأول هو أنه في خارج إطار الحرب على “الدولة
الإسلامية”، سيكون من الحماقة التفكير في المملكة العربية السعودية كشريك
للمساعدة في العمل على التوصل إلى حل سياسي عادل ذي طابع ديمقراطي في
العراق وسوريا. ويعود ذلك إلى نفور السعودية إلى حد كبير من الأجندة
الديمقراطية ومن السلطة السياسية الشيعية في المنطقة. وخير مثال على ذلك هو
جهود المملكة لتعطيل عملية تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً في مملكة البحرين
المجاورة. فالقيادة السعودية تعتبر أن وصول الديمقراطية إلى حدودها يشكل
تهديداً للسلطة المطلقة الخاصة بها على أراضيها. أما التحذير الثاني فيرتبط
بمفهوم السعودية للإرهاب. فعندما يتعلق الأمر بتحديد الإرهاب، لا تفرق
المملكة بين المسلحين القاتلين والنشطاء السياسيين الذين ينبذون أعمال
العنف. كما أنها اعتقلت مؤخراً داعية سعودي في حقوق الإنسان معروف على نطاق
واسع بتهمة الإرهاب. وقد برزت هذه القضية في الوقت الذي تفكر فيه الولايات
المتحدة المساعدة على تعزيز قدرات الحكومة السعودية في مجال مكافحة
الإرهاب. ولا بد لواشنطن أن تواصل العمل نحو ضمان عدم توظيف القدرات
التكنولوجية وغيرها من القدرات المدعومة ضد الأشخاص الخطأ، بمن فيهم أولئك
بالذات الذين يدعون إلى الإصلاح السياسي الجوهري الذي تفضله واشنطن”.
وتوضح الباحثة أن المحاذير
السابق تأتي على خلفية تاريخ السعودية في مكافحة الإرهاب عقب أحداث الحادي
عشر من سبتمبر كان متفاوتاً حتى تعرض المملكة لهجمات داخل أراضيها، مضيفة:
“دفعت تلك العمليات الحكومة السعودية إلى بذل جهود جبارة لمنع وقوع هجمات
داخل البلاد وملاحقة الإرهابيين المرتبطين بها. كما منعت المملكة الأموال
المخصصة للإرهابيين، وحدّت من الخطابات الدينية الداعمة للإرهاب، واعتقلت
المتشددين وأخضعتهم لإعادة التأهيل. إلا أن الولايات المتحدة شكت على مر
السنين، ولسبب وجيه، من أن هذه التعهدات مقيّدة بسبب القدرات السعودية
فضلاً عن السياسة السعودية.. وما يزيد الطين بلة، تبيّن أن بعض السعوديين
المتواطئين مع تنظيم الدولة الإسلامية والذين اعتقلوا في وقت سابق من هذا
العام، ومعظم الذي شنوا الهجوم على الحدود السعودية في يوليو هم من خريجي
برنامج مُعتبر لإعادة تأهيل الإرهابيين في المملكة.
ووفقاً لمسئولين سعوديين، فإن
واحد من بين كل عشرة مشاركين في البرنامج يعود إلى التطرف، واثنين من كل
عشرة من المحتجزين السابقين في خليج جوانتانامو والذين يشاركون في البرنامج
يعودون إلى التشدد. وقد تكون التقديرات لغير السعوديين أعلى من ذلك، لكن
حتى هذه النسب قد تكون مرتفعة نظراً لأن الآلاف قد دخلوا المركز الإصلاحي.
وفي هذا الإطار، يُعتقد أن الدعم الإيديولوجي لداعش في صفوف المواطنين
السعوديين ليس متواضعاً. وفي ظل هذا الخطر المتنامي، أظهرت القيادة
السياسية السعودية اهتماماً بقمع الدعم الجهادي الأيديولوجي والمالي للدولة
الإسلامية وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب والجماعات الأخرى المشابهة
لتنظيم القاعدة على أراضيها، وذلك من خلال متابعة الإجراءات الجنائية ضد
هؤلاء المقاتلين وأنصارهم واستخدام بعض القوة الناعمة لمنع دعم المسلمين
الآخرين خارج المملكة لـ تنظيم داعش. ويُذكر أن المملكة قد تكون مكمّلة
لهذه التدابير العلنية من خلال القيام بعمليات سرية في السياق نفسه، بما
فيها عمليات في العراق”.
بشكل عام تميل الإدارة
الأميركية إلى تبني سياسة جديدة تجاه دول المنطقة، وحلفاءها على وجه
الخصوص، مفادها العمل على تحقيق أهداف الولايات المتحدة المتوافقة مع مصالح
وأهداف الدول الحليفة، وذلك بدلاً من سياسة “من ليس معنا فهو ضدنا” الذي
انتهجتها إدارة جورج دبليو بوش، والذي كان أوباما ينوي تغيرها بتصعيد ودعم
الإسلاميين في دول المنطقة بعد “الربيع العربي”، وهو ما كان يستدعي التخلي
عن الأنظمة القديمة أو بعض منها مثلما حدث في مصر وتونس، لكن وبعد اندحار
الإخوان المسلمين في مصر ودعم السعودية للنظام المصري الجديد، تهاوت القبضة
الأميركية شيئاً فشيئاً عن إقرار إرادتها، وهو ما سمح لحلفاء أميركا
–ناهيك عن اعدائها- بالتصرف بمنتهى الحرية تجاه قوى الإسلام السياسي
ومحاصرته. وهو ما أضطر الإدارة الأميركية إلى التوافق مع هذا الهدف الذي
يخدم احتياجاتها الاستراتيجية في العودة عسكرياً إلى المنطقة، حتى ولو كان
ذلك من بوابة داعش، التي صنعها النظام السعودي بالأساس.
نشـــــــــــــــــــر : البديل : elbadil.com
Post a Comment
ما رأيك ..... شاركنا الرأي